مفاهيم خاطئة عن الطب النفسي
اعتقاد بعض الناس أن الطب
النفسي وكذلك علم النفس موروثان غربيان ولا يمتان إلى الإسلام بصلة.
وينتج
عن ذلك: الاعتقاد بأن المعالج النفسي إنما هو تابع لفرويد يطبق نظرياته دون فكر أو
نظر، وأن المعالج النفسي لا يؤمن بالجوانب الروحية والدينية في العلاج.
وسوف نناقش هذا الأمر من خلال هذه الوقفات:
إن المعالج النفسي
المسلم هو فرد من أفراد مجتمعه يدين بما يدينون به ويعتقد ما يعتقدونه، وما دراسته
وممارسته للعلاج النفسي إلا محاولة منه في الانتفاع من هذا التخصص في خدمة مجتمعه
مؤطرًا ذلك كله بضوابط دينه.
ليس من الصواب الاعتقاد بأن ما ورد في الكتاب
والسنة يغني عن الاستفادة من خبرات الأمم السابقة التي لا تتعارض مع أصول الدين
الإسلامي، فقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «لقد هممت أن أنهى عن
الغيلة، ولكني نظرت فإذا فارس والروم يغيلون ولا يضر أولادهم»
ومن المعلوم
أن الحضارة الإغريقية قد ساهمت في تطور العلوم بشكل كبير، كما لا ينكر أحد أيضًا أن
الحضارة الإسلامية في كثير من جوانبها العلمية قد استفادت جدًا من حضارة الإغريق.
لكن ما ينبغي التنبيه إليه أنه لم يكن الدين في الحضارة الإغريقية مثلما هو في
الحضارة الإسلامية أساسًا للعلوم ونبراسًا ومرجعًا لها، وليس كما هو في الحضارة
الأوروبية الحديثة قد تم تنحيته جانبًا، وإنما كان الدين عند الإغريق علمًا من
العلوم يدرس مع غيره من العلوم وليست له علاقة أساسية بسلوكيات الفرد وعلاقته بربه
أو أن يؤثر على غيره من العلوم، وإنما هو فقط مجرد علم مثل الرياضيات والطبيعة
(الفيزياء) وغيرها.
ولذلك فإنك تجد العالم الإغريقي ملمًا بعلم الدين ـ
جنبًا إلى جنب مع غيره من العلوم ـ والذي كان يطلق عليه علم الإلهيات أو
الميتافيزيقيا ( ما وراء الطبيعة ). ومن ذلك نستنتج أنه ربما يكون إغراق بعض
العلماء المسلمين ممن تنقصهم المناعة العقدية الكافية في دراسة حضارة الإغريق وتشرب
نفوس بعضهم لبعض من انحرافاتها الفلسفية يفسر لنا وقوع بعضهم في شيء من الأخطاء
العقدية.
- أسهم العلماء المسلمون السابقون إسهامات كثيرة مهمة في الدراسات
النفسية. لكنها لم تحظ من قبل باهتمام الباحثين، ومؤرخي الدراسات النفسية.
فالمؤرخون الغربيون يبدؤون عادة بالدراسات النفسية عند المفكرين اليونانيين، وبخاصة
أفلاطون وأرسطو، ثم ينتقلون بعد ذلك مباشرة إلى المفكرين الأوروبيين في العصور
الوسطى، ثم في عصر النهضة الأوروبية الحديثة، ويغفلون إغفالاً تامًا ذكر إسهامات
العلماء المسلمين في الدراسات النفسية رغم أنه قد ترجم العديد منها إلى اللغة
اللاتينية، وأثرت تأثيرًا كبيرًا في آراء المفكرين الأوروبيين في أثناء العصور
الوسطى وحتى بداية عصر النهضة الأوروبية الحديثة.
ولقد كان القرنان السابع
والثامن الهجريان من أزهى عصور الطب النفسي في العالم الإسلامي. وفي هذين القرنين
عاش شيخ الإسلام ابن تيمية (661- 728هـ) وتلميذه العلامة ابن القيم (691-751هـ)
-رحمهما الله- اللذان كان لهما موقف محمود ضد انحرافات بعض الفلاسفة العرب. ونظرًا
لأن علم النفس والعلاج النفسي حتى ذلك الحين يعدان من فروع الفلسفة، فإن موقف شيخ
الإسلام ابن تيمية والإمام ابن القيم ـ رحمهما الله ـ من علم الفلسفة والفلاسفة قد
أحدث بعض التشويش عند بعض الباحثين الذين ظنوا أن ابن تيمية وابن القيم ـ رحمهما
الله ـ يرفضان علم النفس والعلاج النفسي مع أنهما لم يعرضا لذلك الأمر بأي نقد، رغم
ازدهار تلك العلوم في تلك الفترة من الزمن، وإنما كان نقدهما موجهًا لبعض الفلاسفة
وأصحاب الشبه والانحرافات. بل إنه على النقيض من ذلك، فشيخ الإسلام ابن تيمية
وتلميذه ابن القيم يعدان من رواد الدراسات النفسية في الإسلام ولهما في ذلك العديد
من الآراء والنظريات.
بل والعجيب في الأمر أنه في مقابل ذلك الازدهار
المنقطع النظير في العالم الإسلامي فإنه ما زالت بعض دول أوروبا في تلك الفترة من
الزمن ( القرن الحادي عشر إلى القرن الرابع عشر الميلادي ) تحرق المرضى النفسيين،
لأنهم ـ كما يظنون ـ لا يمكن علاجهم فقد تلبستهم الشياطين!. بل إنه حتى أواخر القرن
الثامن عشر الميلادي (الثاني عشر الهجري ) فإن المرضى النفسيين في أوروبا يقيدون
بالسلاسل في السجون ويبقون فيها مثل الحيوانات حتى تأتي ساعة الممات لاعتقادهم أن
أرواحًا شريرة قد تلبست أرواح المرضى. ولذلك كان التجويع والتعطيش والضرب بالسياط
هو وسيلة العلاج، نظرًا لأن الاعتقاد الشائع في ذلك الحين هو أن الأكل يهيج المريض
وأن الضرب يهدئه. ولقد كان بعض الحراس ـ ممن يوصفون بالرحماء ـ يضربون وجوه المرضى
بأيديهم بدلاً من استخدام السياط!
ويعتمد المعالج في تشخيص الاضطراب أو
المرض النفسي ـ بشكل كبير ـ على ثلاثة أمور:
-نوع (طبيعة)
الأعراض.
- شدة الأعراض.
- مدة بقاء هذه الأعراض.
ولذلك فإنه
لتشخيص المرض النفسي يجب أن تحدث عند المريض أعراض غير مألوفة كالضيق والحزن مثلاً،
وتستمر لمدة ليست بالطارئة أو القصيرة وبأعراض واضحة، وعلى درجة من الشدة تكون
كفيلة بتشخيص المرض النفسي في تعريف المعالجين النفسيين. ولذلك فإن من يحزن لفقد
قريب أو عزيز ويتأثر بذلك، فإننا لا نصفه بأنه مريض نفسي إلا إذا استمر حزنه لمدة
طويلة، ربما تصل لأشهر عدة أو بضع سنوات، وبدرجة جلية تؤثر في إنتاجية ذلك الفرد في
أغلب مجالات الحياة، أو أن تظهر عليه أعراض بعض الأمراض النفسية الأخرى، كالاكتئاب
مثلاً.
م ن ق و ل
من مجلة الثقافة الصحية
اعتقاد بعض الناس أن الطب
النفسي وكذلك علم النفس موروثان غربيان ولا يمتان إلى الإسلام بصلة.
وينتج
عن ذلك: الاعتقاد بأن المعالج النفسي إنما هو تابع لفرويد يطبق نظرياته دون فكر أو
نظر، وأن المعالج النفسي لا يؤمن بالجوانب الروحية والدينية في العلاج.
وسوف نناقش هذا الأمر من خلال هذه الوقفات:
إن المعالج النفسي
المسلم هو فرد من أفراد مجتمعه يدين بما يدينون به ويعتقد ما يعتقدونه، وما دراسته
وممارسته للعلاج النفسي إلا محاولة منه في الانتفاع من هذا التخصص في خدمة مجتمعه
مؤطرًا ذلك كله بضوابط دينه.
ليس من الصواب الاعتقاد بأن ما ورد في الكتاب
والسنة يغني عن الاستفادة من خبرات الأمم السابقة التي لا تتعارض مع أصول الدين
الإسلامي، فقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «لقد هممت أن أنهى عن
الغيلة، ولكني نظرت فإذا فارس والروم يغيلون ولا يضر أولادهم»
ومن المعلوم
أن الحضارة الإغريقية قد ساهمت في تطور العلوم بشكل كبير، كما لا ينكر أحد أيضًا أن
الحضارة الإسلامية في كثير من جوانبها العلمية قد استفادت جدًا من حضارة الإغريق.
لكن ما ينبغي التنبيه إليه أنه لم يكن الدين في الحضارة الإغريقية مثلما هو في
الحضارة الإسلامية أساسًا للعلوم ونبراسًا ومرجعًا لها، وليس كما هو في الحضارة
الأوروبية الحديثة قد تم تنحيته جانبًا، وإنما كان الدين عند الإغريق علمًا من
العلوم يدرس مع غيره من العلوم وليست له علاقة أساسية بسلوكيات الفرد وعلاقته بربه
أو أن يؤثر على غيره من العلوم، وإنما هو فقط مجرد علم مثل الرياضيات والطبيعة
(الفيزياء) وغيرها.
ولذلك فإنك تجد العالم الإغريقي ملمًا بعلم الدين ـ
جنبًا إلى جنب مع غيره من العلوم ـ والذي كان يطلق عليه علم الإلهيات أو
الميتافيزيقيا ( ما وراء الطبيعة ). ومن ذلك نستنتج أنه ربما يكون إغراق بعض
العلماء المسلمين ممن تنقصهم المناعة العقدية الكافية في دراسة حضارة الإغريق وتشرب
نفوس بعضهم لبعض من انحرافاتها الفلسفية يفسر لنا وقوع بعضهم في شيء من الأخطاء
العقدية.
- أسهم العلماء المسلمون السابقون إسهامات كثيرة مهمة في الدراسات
النفسية. لكنها لم تحظ من قبل باهتمام الباحثين، ومؤرخي الدراسات النفسية.
فالمؤرخون الغربيون يبدؤون عادة بالدراسات النفسية عند المفكرين اليونانيين، وبخاصة
أفلاطون وأرسطو، ثم ينتقلون بعد ذلك مباشرة إلى المفكرين الأوروبيين في العصور
الوسطى، ثم في عصر النهضة الأوروبية الحديثة، ويغفلون إغفالاً تامًا ذكر إسهامات
العلماء المسلمين في الدراسات النفسية رغم أنه قد ترجم العديد منها إلى اللغة
اللاتينية، وأثرت تأثيرًا كبيرًا في آراء المفكرين الأوروبيين في أثناء العصور
الوسطى وحتى بداية عصر النهضة الأوروبية الحديثة.
ولقد كان القرنان السابع
والثامن الهجريان من أزهى عصور الطب النفسي في العالم الإسلامي. وفي هذين القرنين
عاش شيخ الإسلام ابن تيمية (661- 728هـ) وتلميذه العلامة ابن القيم (691-751هـ)
-رحمهما الله- اللذان كان لهما موقف محمود ضد انحرافات بعض الفلاسفة العرب. ونظرًا
لأن علم النفس والعلاج النفسي حتى ذلك الحين يعدان من فروع الفلسفة، فإن موقف شيخ
الإسلام ابن تيمية والإمام ابن القيم ـ رحمهما الله ـ من علم الفلسفة والفلاسفة قد
أحدث بعض التشويش عند بعض الباحثين الذين ظنوا أن ابن تيمية وابن القيم ـ رحمهما
الله ـ يرفضان علم النفس والعلاج النفسي مع أنهما لم يعرضا لذلك الأمر بأي نقد، رغم
ازدهار تلك العلوم في تلك الفترة من الزمن، وإنما كان نقدهما موجهًا لبعض الفلاسفة
وأصحاب الشبه والانحرافات. بل إنه على النقيض من ذلك، فشيخ الإسلام ابن تيمية
وتلميذه ابن القيم يعدان من رواد الدراسات النفسية في الإسلام ولهما في ذلك العديد
من الآراء والنظريات.
بل والعجيب في الأمر أنه في مقابل ذلك الازدهار
المنقطع النظير في العالم الإسلامي فإنه ما زالت بعض دول أوروبا في تلك الفترة من
الزمن ( القرن الحادي عشر إلى القرن الرابع عشر الميلادي ) تحرق المرضى النفسيين،
لأنهم ـ كما يظنون ـ لا يمكن علاجهم فقد تلبستهم الشياطين!. بل إنه حتى أواخر القرن
الثامن عشر الميلادي (الثاني عشر الهجري ) فإن المرضى النفسيين في أوروبا يقيدون
بالسلاسل في السجون ويبقون فيها مثل الحيوانات حتى تأتي ساعة الممات لاعتقادهم أن
أرواحًا شريرة قد تلبست أرواح المرضى. ولذلك كان التجويع والتعطيش والضرب بالسياط
هو وسيلة العلاج، نظرًا لأن الاعتقاد الشائع في ذلك الحين هو أن الأكل يهيج المريض
وأن الضرب يهدئه. ولقد كان بعض الحراس ـ ممن يوصفون بالرحماء ـ يضربون وجوه المرضى
بأيديهم بدلاً من استخدام السياط!
ويعتمد المعالج في تشخيص الاضطراب أو
المرض النفسي ـ بشكل كبير ـ على ثلاثة أمور:
-نوع (طبيعة)
الأعراض.
- شدة الأعراض.
- مدة بقاء هذه الأعراض.
ولذلك فإنه
لتشخيص المرض النفسي يجب أن تحدث عند المريض أعراض غير مألوفة كالضيق والحزن مثلاً،
وتستمر لمدة ليست بالطارئة أو القصيرة وبأعراض واضحة، وعلى درجة من الشدة تكون
كفيلة بتشخيص المرض النفسي في تعريف المعالجين النفسيين. ولذلك فإن من يحزن لفقد
قريب أو عزيز ويتأثر بذلك، فإننا لا نصفه بأنه مريض نفسي إلا إذا استمر حزنه لمدة
طويلة، ربما تصل لأشهر عدة أو بضع سنوات، وبدرجة جلية تؤثر في إنتاجية ذلك الفرد في
أغلب مجالات الحياة، أو أن تظهر عليه أعراض بعض الأمراض النفسية الأخرى، كالاكتئاب
مثلاً.
م ن ق و ل
من مجلة الثقافة الصحية