بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله، وأشهد أن
لا إله إلا الله ولي من تولاه، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله وخير من قام
بأمر مولاه، وبعد
فمن معتقد أهل السنة والجماعة أن الإيمان هو
الإقرار بالقلب والنطق باللسان والعمل بالجوارح، فالإيمان يزيد وينقص
بزيادة هذه الأمور الثلاثة ونقصانها، فالإيمان يزيد من حيث إقرار القلب
وطمأنينته كما قال تعالى عن إبراهيم عليه السلام رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ
تُحْيِي الْمَوْتَى قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قَالَ بَلَى وَلَكِنْ
لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي البقرة ، ويزاد بالنطق فليس إيمان من يكثر من ذكر
الله مثل إيمان من يغفل أو يقل ذكره لله، فلا شك أن الأول إيمانه أزيد،
وكذلك العمل، فمن عمل بجوارحه طاعات صار أزيد إيمانًا ممن قلت أعماله
يقول الإمام الطحاوي وأما الزيادة بالعمل والتصديق المستلزم لعمل القلب
والجوارح فهو أكمل من التصديق الذي لا يستلزمه، فالعلم الذي يعمل به صاحبه
أكمل من العلم الذي لا يعمل به شرح الطحاوية ص
ويقول النووي في شرح مسلم التصديق يكمل بالطاعات كلها فما ازداد المؤمن من
أعمال البركات إيمانه أكمل، وبهذه الجملة يزيد الإيمان وبنقصانها ينقص،
فمتى نقصت أعمال البر نقص كمال الإيمان، ومتى زادت أعمال البر زاد الإيمان
كمالاً، هذا توسط القول في الإيمان، وأما التصديق بالله تعالى ورسوله فلا
ينقص شرح مسلم
وهذا المعتقد خلافًا لما يعتقده المرجئه بأنه لا يضر مع الإيمان ذنب لمن
عمله، وهذا باطل قطعًا، وخلافًا لما يعتقده الخوارج بخروج المرء من
الإيمان بارتكاب الكبيرة، وأدلة زيادة الإيمان من القرآن هي
قوله تعالى الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا
لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ
وَنِعْمَ الْوَكِيلُ آل عمران ، وقوله تعالى إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ
الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ
عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ
يَتَوَكَّلُونَ الأنفال ، وقوله تعالى وَإِذَا مَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ
فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَذِهِ إِيمَانًا فَأَمَّا
الَّذِينَ آمَنُوا فَزَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ
وَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَتْهُمْ رِجْسًا إِلَى
رِجْسِهِمْ وَمَاتُوا وَهُمْ كَافِرُونَ التوبة ،
وقوله تعالى وَيَزِيدُ اللَّهُ الَّذِينَ اهْتَدَوْا هُدًى
وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ
مَرَدًّا مريم ، وقوله تعالى هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ السَّكِينَةَ فِي
قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ لِيَزْدَادُوا إِيمَانًا مَعَ إِيمَانِهِمْ
وَلِلَّهِ جُنُودُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا
حَكِيمًا الفتح ، وقوله تعالى وَمَا جَعَلْنَا أَصْحَابَ النَّارِ إِلاَّ
مَلاَئِكَةً وَمَا جَعَلْنَا عِدَّتَهُمْ إِلاَّ فِتْنَةً لِلَّذِينَ
كَفَرُوا لِيَسْتَيْقِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَيَزْدَادَ
الَّذِينَ آمَنُوا إِيمَانًا وَلاَ يَرْتَابَ الَّذِينَ أُوتُوا
الْكِتَابَ وَالْمُؤْمِنُونَ المدثر ، وقوله تعالى نَحْنُ نَقُصُّ
عَلَيْكَ نَبَأَهُمْ بِالْحَقِّ إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ
وَزِدْنَاهُمْ هُدًى الكهف ، وقوله تعالى وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا
زَادَهُمْ هُدًى وَآتَاهُمْ تَقْوَاهُمْ محمد
وأدلة زيادة الإيمان من السنة
ما رواه مسلم عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما عن رسول الله أنه قال «يا
معشر، النساء تصدقن وأكثرن الاستغفار فإني رأيتكن أكثر أهل النار» فقالت
امرأة منهن جزلةُ وما لنا يا رسول الله أكثر أهل النار قال «تكثرن اللعن
وتكفرن العشير، وما رأيت من ناقصات عقل ودين أغلب لذي لب منكن» قالت يا
رسول الله، وما نقصان العقل والدين؟ قال أما نقصان العقل فشهادة امرأتين
تعدل شهادة رجل، فهذا نقصان العقل وتمكث الليالي ما تصلي وتفطر في رمضان،
فهذا نقصان الدين، فترك المرأة للصلاة والصيام في حال الحيض نقصان في
الدين» وإن كانت غير آثمة في هذا الترك حال حيضها ونفاسها فيكون من صلى
أكثر وصام يزداد دينه وإيمانه، ولذلك بوب الإمام مسلم في صحيحه تحت باب
نقصان الإيمان بنقص الطاعات وذكر هذا الحديث
وما رواه مسلم أيضًا باب الدوام على الذكر وتركه، والحديث عن حنظلة الأسدي
يقول فيه لرسول الله نكون عندك تذكرنا بالنار والجنة حتى كأنا رأي العين،
فإذا خرجنا من عندك عافسنا الأزواج والأولاد والضيعات، فنسينا كثيرًا فقال
رسول الله «والذي نفسي بيده إن لو تدومون على ما تكونون عندي وفي الذكر
لصافحتكم الملائكة على فرشكم وفي طرقكم ولكن يا حنظلة ساعة وساعة ثلاث
مرات»
والشاهد من الحديث هو زيادة إيمان الصحابة عندما يذكرهم الرسول بالجنة
والنار وترق قلوبهم حتى كأنهم يرون بأعينهم الجنة فإذا خرجوا من عنده
وشغلوا بالأولاد والزوجات والأموال فقدوا شيئًا من لين القلوب ورقتها
فأقسم لهم النبي أنهم لو ظلوا بعد انصرافهم من عنده أي بعد زوال المؤثر في
الذكر وفي الطاعات لصافحتهم الملائكة على فرشهم وفي طرقهم، ولكن ساعة تلين
القلوب ويزداد فيها الإيمان بالذكر وكثرة الطاعات، وساعة تقسو ويقل
الإيمان، وتفقد شيئًا من لينها
ومن أدلة زيادة الإيمان من أقوال السلف
قال البخاري لقيت أكثر من ألف رجل من العلماء بالأمصار فما رأيت أحدًا
منهم يختلف في أن الإيمان قول وعمل ويزيد وينقص، وكان معاذ بن جبل يقول
للرجل من إخوانه اجلس بنا نؤمن ساعة فيجلسان فيذكران الله تعالى ويحمدانه
وعن ابن مسعود رضي الله عنه أنه كان يقول «اللهم زدنا إيمانًا ويقينًا وفقهًا» فتح الباري ،
وقال أبو الدرداء رضي الله عنه من فقه العبد أن يتعاهد إيمانه وما نقص منه، ومن فقه العبد أن يعلم أيزداد هو أم ينقص؟
وكان عمر رضي الله عنه يقول لأصحابه هلموا نزدد إيمانًا فيذكرون الله عز وجل شرح الطحاوي ص
وقال عمار بن ياسر ثلاث من جمعهن، فقد جمع الإيمان الإنصافُ من نفسك وبذل
السلام للعَالم، والإنفاق من الإقتار ذكره البخاري
ويقول النووي في شرح مسلم، وأما إطلاق اسم الإيمان على الأعمال فمتفق عليه
عند أهل الحق ودلائله في الكتاب والسنة أكثر من أن تحصر وأشهر من أن تشهر،
قال الله تعالى وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ ، أجمعوا على
أن المراد صلاتكم شرح مسلم
ومن هذه الأعمال التي تزيد في الإيمان ويفعلها المسلمون في رمضان ويكثرون منه
ا
أولاً الصيام يزيد في الإيمان
فقد أورد البخاري في كتاب الإيمان من صحيحه باب صوم رمضان احتسابًا من
الإيمان ثم ساق بسنده عن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله «من
صام رمضان إيمانًا واحتسابًا غُفِرَ له ما تقدم من ذنبه»
والصوم يزيد في الإيمان إذا جاء المسلم به كمًا وكيفًا وبمراتبه الثلاث
كما قال العلماء، فكف البطن والفرج عن قضاء الشهوة، ولم يكتف بذلك لأن هذا
صوم العموم بل كف النظر عن عورات النساء وزينتهن، واللسان عن الولوغ
والخوض في أعراض المسلمين، واليد عن الإيذاء والمال الحرام والسمع عن سماع
الزور والغناء، وسائر الجوارح عن المنكر والفحشاء، بل لم يكتف بذلك ولكنه
صوَّم قلبه عن الهمم الدنيئة والأفكار المبعدة عن الله تعالى، وكفه عما
سوى الله بالكلية فلا يتعلق قلبه بمخلوق ليجيب سؤله أو يكشف ضره، وهذا صوم
خصوص الخصوص ويرجى للمسلم الذي يأتي به أن يزيد إيمانه
ثانيًا إطعام الطعام في رمضان يزيد الإيمان
فقد أورد البخاري في كتاب الإيمان من صحيحه باب إطعام الطعام من الإسلام،
عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما أن رجلاً سأل النبي أي الإسلام خير؟
قال «تُطعم الطعام، وتقرأ السلام على من عرفت ومن لم تعرف» فتح الباري
فاحرص أيها المسلم على إطعام الطعام وتفطير الصائمين فإنه يزيد من إيمانك إن شاء الله وتأخذ مثل أجر من فطرتهم
ثالثًا القيام في رمضان طاعة تَزيد في الإيمان
لحديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله قال «من قام رمضان إيمانًا
واحتسابًا غُفر له ما تقدم من ذنبه» صحيح البخاري، كتاب الإيمان، باب تطوع
قيام رمضان من الإيمان
فالزم أيها المسلم القيام فيه حتى تختم القرآن فيه على الأقل مرة، واحرص
على التراويح التي يطمئن فيها الإمام ولا ينقر صلاته بل يجيد قراءته ويتم
ركوعها وسجودها، وليتذكر المسلم أن رسول الله كان يقوم من الليل حتى تتفطر
قدماه، وأنه مهما قام من الليل وقدم من الطاعة فإنه سوف يستقلُ هذا يوم
القيامة في حق ربه تعالى ؛ لقول رسول الله «لو أن رجلاً يُجَرُّ على وجهه
من يوم ولد إلى يوم يموتُ هَرمًا في مرضاةِ الله عز وجل لحقَّرَهُ يوم
القيامة» السلسلة الصحيحة
رابعًا قيامُ ليلة القدر يزيد الإيمان
لحديث أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله «من يقم ليلة القدر
إيمانًا واحتسابًا غفر له ما تقدم من ذنبه» البخاري، كتاب الإيمان، باب
قيام ليلة القدر من الإيمان ، فالمسلم وهو يلتمس ليله القدر في العشر
الأخيرة من رمضان يقوم ليله إلا قليلاً يزداد إيمانه بهذه الطاعة لطول
وقوفه بين يدي ربه وكثرة تضرعه إليه سبحانه
خامسًا قراءة القرآن تزيد الإيمان
يقول الله تعالى وَإِذَا مَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ
أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَذِهِ إِيمَانًا التوبة ، فإن القرآن يزيد قارئه
والعالم به إيمانًا وتقوى وخشوعًا كما في قوله تعالى إِنَّ الَّذِينَ
أُوتُوا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِهِ إِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ يَخِرُّونَ
لِلأَذْقَانِ سُجَّدًا وَيَقُولُونَ سُبْحَانَ رَبِّنَا إِنْ كَانَ وَعْدُ
رَبِّنَا لَمَفْعُولاً وَيَخِرُّونَ لِلأَذْقَانِ يَبْكُونَ وَيَزِيدُهُمْ
خُشُوعًا الإسراء
وفي رمضان يقبل المسلمون على القرآن فيكثرون من تلاوته في ليلهم ونهارهم
وفضلاً عن الثواب الذي يناله عن كل حرف من أحرف القرآن، إذا قرأه المسلم
متقنًا قراءته عشر حسنات ويُجَازَى بأن الله تعالى يستمع له ؛ لما رواه
مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه سمع رسول الله يقول «ما أَذِنَ الله
لشيء ما أَذِنَ لنبي حَسَنِ الصوت يتغنى بالقرآن يجهر به» ومعنى أذن أي
استمع لشيء ويزيد الله هذا القارئ إيمانًا مع إيمانه، ويكون من الذاكرين
الله كثيرًا، ويباهي ملائكته به
سادسًا كثرة ذكر الله تعالى تزيد الإيمان
ففي رمضان تطول فترة تواجد المسلمين بالمساجد قبيل الفجر والمغرب، وأيام
الاعتكاف ويكثر الذكر لله تعالى في هذه الأوقات فيزيد الإيمان في رمضان،
فلتحرص أيها المسلم على خير الذكر وخير الدعاء وهو كلمة التوحيد وأثقل
الكلام في الميزان فيزداد إيمانك ويُغفر ذنبك، وتسمو عند ربك ؛ لما رواه
البخاري ومسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله «من قال
لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير
في يوم مائة مرة كانت له عدل عشر رقاب وكتب له مائة حسنة، ومحيت عنه مائة
سيئة وكانت له حرزًا من الشيطان يومه ذلك حتى يمسي ولم يأت أحد بأفضل مما
جاء به إلا أحد عمل عملاً أكثر من ذلك» اللؤلؤ والمرجان
فاحرص أخي الحبيب على أذكار الصباح والمساء وأدبار الصلوات
سابعًا ومما يزيد في الإيمان خوف المؤمن أن يحبط عمله
في رمضان تنضبط جوارح الكثير من الناس، خوفًا على صيامهم من الضياع، ولضيق
مجاري الشيطان بالجوع والعطش أو الصوم عمومًا، فالمسلم في رمضان عندما
يقترف سيئة يستحضر حرمانه طوال النهار فيندم ويستغفر ويجد من يُذكره بصومه
فيقال له كيف تسب وتلعن وأنت صائم ؟ وكيف تفعل كذا وأنت صائم؟ فينزجر
ويرتدع ولا يأتي بنواقض الإيمان، ومن ثم يزداد إيمانه بخوفه من حبوط عمله،
ولذلك بوب الإمام البخاري بابًا في كتاب الإيمان من صحيحه سماه باب خوف
المؤمن أن يحبط عمله وهو لا يشعر
وعلى المسلم أن يجتنب السباب واللعن ؛ لقول النبي «سباب المسلم فسوق
وقتاله كفر» وقوله «من لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله حاجة في أن
يدع طعامه وشرابه» رواه البخاري وغيره
وكل هذه المخالفات وغيرها يقدحُ في زيادة الإيمان، فإذا صمت أيها المسلم
هذا الصيام وقمت وقرأت القرآن وتصدقت وأطعمت الطعام وذكرت الله تعالى
وشعرت أن إيمانك يزداد يومًا بعد يوم حتى وصلت إلى آخر رمضان فلا تكن بعد
رمضان كما قال تعالى وَلاَ تَكُونُوا كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِنْ
بَعْدِ قُوَّةٍ أَنْكَاثًا النحل ، ولا تكن كالذي قال الله تعالى فيه
وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانْسَلَخَ
مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ ، بل استمر
على المزيد، وطلب المزيد، وكن عند قوله تعالى وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي
عِلْمًا ، وقوله تعالى وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ ،
وقوله تعالى فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ
وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم