النقطة الرابعة/ لماذا يحدث هذا ؟
لماذا تزداد الخطاء ؟ ولماذا تتعقد المشكلات ؟ ولماذا لا نجد لها حلا ؟
هناك أسباب كثيرة أذكرها بسرعة كسبا للوقت:
من ذلك الرضى والقناعة الموجود لدينا.
رضينا بالواقع، لا ندرك مشكلاتنا بشكل صحيح، وننكر وجودها أحيانا ونرى أحيانا أنه ليس بالإمكان أبدع مما كان، وكل أمورنا مبنية على الكمال والتمام، ليس لدينا إحساس بحجم الفارق بيننا وبين غيرنا، والبعض منا يرغبون بالركود وعدم التجديد بحال من الأحوال.
السبب الثاني عدم إيماننا بوجود المصارحة والمناصحة في ما بيننا.
وعدم الوضوح والصراحة والمكاشفة في تعاملنا مع واقعنا، وعدم مناقشة أمرنا ومشكلاتنا بصورة صحيحة، وذلك لأننا نرغب أحيانا كما نظن في عدم الإثارة أو اتقى الفتنة،
أو المساس بالمكاسب أو غير ذلك، وننسى أنه لا يمكن تجنب الإثارة واتقى الفتنة والحفاظ على لمكاسب إلا من خلال منهج واضح صحيح للنقد والمصارحة والمكاشفة يكون مبنيا على الحقوق المتبادلة بيننا جميعا
بين الزوج وزوجته
بين الوالد وولده
بين المدرس والطالب
بين الحاكم والمحكوم وهكذا.
السبب الثالث عدم تحديد المشكلات بدقة.
فنحن أحيانا نعزل كل مشكلة على حدة كما لو كانت مخلوقا مستقلا منفردا ونحاول أن نبين أسبابها، ونقترح الحلول لها، وندرس هذه الحلول ونخلص إلى نتائج نهائية دون أن نربط ذلك بغيره من الأمور.
السبب الرابع عدم الثقة بالعلم.
وعدم البحث العلمي واعتماد الأساليب العلمية في الوصول إلى تحديد المشكلة وأساليب حلها وتسخير العلوم الممكنة لهذا الأمر.
السبب الخامس ضيق الأفق لدى البعض.
أو الركود والتعصب للمألوف والعادات والانطلاق من بعض المسلمات والبديهيات الخاصة التي ليس لها سند شرعي ولا عقلي.
فالكثيرون يقولون لك هذا الأمر لا يجادل فيه اثنان ولا ينتطح فيه عنزان
أو يقولون لك هذا واضح وضوح الشمس في رابعة النهار لمن أنار الله بصيرته.
ولكن الواقع أن هذا الأمر ليس سوى أمر مألوف معروف، وهذا الضيق النفسي والعقلي الموجود لدى البعض يعميه ويصمه عن التقدم خطوة واحدة للتعرف على الأخطاء وتعديل السلوكيات وحل القضايا والمشكلات.
السبب السادس اعتقاد البعض أن مشكلاتنا تحل عن طري الأساليب العقيمة.
فمثلا الجدل والتراشق بالألفاظ والتعصب والتحيز الواضح لفكرة معينة أو استيراد الحلول الجاهزة أحيانا أو ترك المشكلة ونعتقد أن الزمن كفيل بحلها أو إلغاء الأسباب والنتائج أو إلقاء المسؤولية على الآخرين وانتظار الحل منهم، أو التعامل مع المشكلات بالعواطف، كل ذلك قد يسكن الألم أحيانا ولكنه لا يوقف النزيف على المدى الطويل.
السبب السابع والأخير هو عدم استصحاب النية الصالحة في نفع الناس.
وبذل الوسع في التعامل مع القضايا والمشكلات ونسيان الموضوعية في غمار التعصب وعدم الأنصاف والتأني إلى غير ذلك من الصفات التي ينبغي أن يتميز بها كل باحث عن الحقيقة.
** أما النقطة الخامسة وهي بيت القصيد فهي بعنوان أخطاء وحلول.
الخطاء الأول فأين الصواب إذا.
وأعني بهذا الخطاء التركيز على الأخطاء ولعل لقائل أن يقول أن محاضرتك نفسها عنوانها بعض أخطأنا في التربية ؟ فأقول نعم حتى التركيز على الأخطاء في موضوع أو درس أو محاضرة ينبغي أن يكون بقدر معتدل.
إن التركيز على الأخطاء والانحرافات لا يبني أبدا، بل الأصل هو وضع المعيار الصحيح وتمكين الإنسان أن يكتشف الخطاء بنفسه مع الثناء عليه إن أصاب وتوجيهه إذا أخطاء.
مثلا الواعظ والخطيب مربي، فينبغي له أن لا يركز على الأخطاء ويجعل كل خطبه ودروسه ومحاضراته هي عبارة عن سياط يلهب بها ظهور الناس
فيخرجون منه كل يوم وقد حميت ظهورهم من أثر هذا الكلام الذي أنحى به عليهم.
لا… ينبغي أن يكون أحيانا هناك حديث عن الصواب ليعمله الناس دون تعريض بالخطأ
وأحيانا يكون هناك ثناء على بعض الظواهر الإيجابية حتى تنمو وتكبر
وأحيانا يكون هناك تنبيه إلى بعض الأخطاء بالأسلوب الشرعي المناسب.
المدرس أو المدرسة أيضا هم من المربين، فكون المدرس أو المدرسة يركز على أخطاء الطالب، إذا أخطئ ابرز الخطأ وعلق عليه وأكد على هذا الخطأ فإن هذا يحطم الطالب ويجعله لا يفكر في المحاولة مرة أخرى.
لا….بل ينبغي أن يبرز الجانب الأخر، جانب الصواب الذي أصاب فيه، الجانب الإنساني عند الإنسان.
ومن القصص المشهورة التي تبين لك أن الإنسان يستطيع أن يؤدي المعلومة بأكثر من أسلوب:
أن خليفة رأى في المنام أن أسنانه قد سقطت، فطلب رجلا يعبر الرؤيا، فقال:
يا أمير المؤمنين يموت أهلك كلهم وتبقى أنت بعدهم
فأمر به فجلد حتى أغمي عليه ثم قال ارفعوه عني.
دعا بعابر آخر فقال له يا أمير المؤمنين أنت أطول اهلك عمرا.
فأعطه جائزة.
إن الإنسان يستطيع أن يعبر عن التوجيه والإرشاد والنصيحة بأسلوب غير مباشر أحيانا، وبأسلوب مباشر أحيان أخرى، ويمتدح الصواب في بعض الأحيان، ويمتدح فلانا لأنه أصاب، وهكذا.
الأب أيضا مربي، فكون الأب لا يحسن إلا سب أولاده وشتيمتهم والدعاء عليهم وتعييرهم، وفلان فعل وأبن فلان فعل وأنتم فيكم وفيكم
هذا لا شك لن يبني أولادا صالحين قط، بل سيجعل هؤلاء الأبناء يفقدون الثقة بأنفسهم، يعيشون إحباطا وقد يؤدي إلى كراهيتهم لأبيهم.
لكن بدلا من أن تقول أنت أخطأت، قال هذا العمل لا يعجبني، لا يناسبني أو لا يصلح، ولو قلت له هذه المرة أخطأت، المرة الثانية لابد أن تثني على الصواب
من الممكن أن تستخدم معه أساليب متعددة.
بل أقول كل إنسان في مسؤولية فهو يتناول ويتولى جزء من مسؤولية التربية.
حتى الحاكم الأعظم أو الإمام أو الخليفة أو السلطان هو أيضا مربي على نطاق أوسع، ومسئوليته في عدم تتبع الأخطاء وعدم تتبع العورات واضحة جلية.
إذا لابد أن تكون الأخطاء موضوعة بصورة معتدلة.
إن الإنسان الذي يلاحق أخطاء الناس، ويكثر من الحديث عنها ربما يكون لديه شعور بالكمال، ولذلك فهو دائما وأبدا يبحث عن الزوايا المظلمة والمناطق القاتمة في الناس.
الخطأ الثاني الشكل أم المضمون.
إن الإغراق في الشكل على حساب المضمون أو في الكم على حساب الكيف من اعظم أمراضنا، مثلا الرجل يهتم بملابسه، بغترته بحذائه
المرأة كذلك بل أشد، فتجد كل موديل جديد لدى المرأة، وتجد لديها ألوانا من تلك المجلات والكتب التي تسمى (بالبردات)، فاليوم من فرنسا وغدا من تايلاند وبعد غد وهكذا، وتجد لديها عشرات بل مئات من الملابس والثياب ربما لم تلبس منها إلا شيء قليلا وبعضها مرة واحدة أو مرتين.
وكذلك الحال بالنسبة للطفل فنحن معنيون جدا بملابسه وجماله وحذائه وغير ذلك، هذا بلا شك إذا كان في حدود الاعتدال فهو مطلوب ولا بأس به
لكن لا يجوز أن يكون ذلك على حساب العناية بصلاح الإنسان، بقلبه بأخلاقه بدينه بعلمه بثقافته بعبادته بتربيته.
مثل ذلك قصات الشعر مثلا والتسريحات، وكنا بالأمس نحسبها للنساء فقط، فالمرأة اليوم تقص قصة، وغدا تقص قصة أخرى، وأصبحت الفتاة عندك تتابع التسريحات في العالم أولا بأول
ليست هذه المشكلة فقط بل تطور الأمر وأصبح هذا حتى بالنسبة للشباب، فأنت تجد تلك الصالونات التي كثرت أصبحت تعتني بقصات الشعر وتتخصص فيها، وربما جلس الشاب أمام المرآة وقتا طويلا من أجل تسريح شعره
لكن لو تجاوزت هذا الشعر قليلا إلى ما يوجد في داخل الرأس، معلومات عقل علم ثقافة اهتمامات ربما تجد خواء في خواء.
مثلا الأثاث المنزلي، كثيرون منا يهتمون بالأثاث المنزلي وتجديده وتنويعه وتناسق ألوانه، ومن الضروري أن يكون التلفاز موجودا وجهاز الفيديو وغرف النوم إلى غير ذلك
الكثيرون يهتمون بهذا ولكن الاهتمام بقيام المنزل على أساس السعادة الزوجية مثلا، قيام المنزل على أساس المسؤولية المشتركة، وقيام المنزل على أساس شرعي
هذا ربما لا يكون قائما في اهتمام البعض.
مثله مثلا مسألة الترفيه والرياضة، فأنت تجد الأمة تحتفل احتفالا كبيرا في الترفيه والرياضة، والرياضة لون من ألوان الترفيه لكنها أخذت من وقتنا وعمرنا واهتمامنا
أخذت شبابنا وفلذات أكبادنا فأصبح الطالب وهو في أيام الاختبار مثلا مشغولا بمتابعة دوري
أو مشغولا بمتابعة الرياضة على الشاشة أحيانا
وأصبح يحفظ أسماء أندية العالم وألوان هذه الأندية وأسماء المدربين وغير ذلك ويتابع أولا بأول وليس هذا فقط، بل يبذل من عواطفه ومشاعره واهتماماته الشيء الكثير في هذا السبيل، مثله أيضا الجانب الترفيهي الذي أصبح يأخذ وقت الكثيرين من الناس.
ولو أنهم أعطوا الناحية الشرعية أو العقلية أو الثقافية أو العلمية جزء من ذلك لنتج عنه خير كثير.
اهتمام الأمة عامة بالمباني والجسور والطرق والمعالم الحضارية كما تسمى.
اهتمام المدير في المدرسة بحضور المدرسين،
أو اهتمام الموظف بحضور مرءوسيه وقت الدوام وأن لا ينصرفوا إلا في الوقت نفسه دون أن يهتم بالعطاء وهل أنجزوا وأدوا مسئوليتهم أم أن الواحد فقط يحضر ثم لا يقوم بعمل.
اهتمام الأب ببقاء أولاده في البيت، لكن يبقون لماذا؟
هل ليتعلموا، هل ليحفظوا القرآن ؟
هل ليتربوا على مكارم الأخلاق ؟
هل يقوموا بعمل دنيوي مفيد ؟ لا يعنيه ذلك..
أم انهم جلسوا أمام التلفاز أو أمام الفيديو أو أمام أشياء أخرى قد لا تكون في مصلحتهم.
اهتمام المدرس بالمنهج، المهم أن ينتهي المنهج مع نهاية العام الدراسي، وليس المهم عنده أحيانا بناء الطالب، وإعداده وتنمية علمه وعقله وتأهيله لنزول ميدان الحياة وخدمة الأمة.
اهتمام الأمة في تعليمها بعدد الدارسين، فنحن نجد أن التعليم متاح للجميع وأي طالب لا يتعلم يعتبر ناقصا، ليس فقط للمستوى المتوسط أو الثانوي بل لا بد أن يأخذ الجامعة.
وإنني أعرف البعض من الطلاب قد يجلس زمانا طويلا في الجامعة لأنه مشغول عنها، مشغول بأموره البيتية، بتجارته ولكنه مع ذلك مصر على هذا الأمر وكأنه ليس لغيره أهلا، أو ليس لغيره مناسبا، لماذا ؟
لأن التقاليد فرضت علينا أن هذا الروتين لا بد أن يتم، ولابد لكل الجيل أن يتعلم وكأنه لا يمكن أن يخدم إلا من خلال هذه القناة.
ومع أن هذا الإنسان الذي فشل في دراسته مثلا قد يكون ناجحا جدا في ميادين أخرى لو أتجه إليها لكن هذا القانون السائد جعله يهتم بهذا الجانب دون رعاية النوعية.
حتى في دراساتنا العليا حينما يطالب الإنسان بأن يحضر ماجستير أو دكتوراه تجد أن السؤال الذي يطرح نفسه تلقائيا كم صفحة رسالته ؟ كم مجلد ؟
لكن قل ما نسأل ما هي النتائج التي توصل إليها ؟
هل كان عميقا في بحثه؟
هل وصل إلى نتائج جديدة ؟ إلى غير ذلك من الأسئلة التي تتعلق بالمضمون.
مثل ذلك الإعلام العربي كله وفي بلاد العالم الإسلامي أيضا - ولا اسميه الإعلام الإسلامي- تجد هذا الإعلام يهتم بساعات البث والإرسال، أن تكون مستمرة، لكنها لا يهتم بنوعية ما يشاهده الناس، أو نوعية ما يسمعون، هل هو ينفعهم أو يضرهم ؟
هل يبني أم يهدم ؟
هل هو على حساب الأخلاق والدين ، أم يقوي ويعزز جانب الأخلاق والدين ؟
ومثله الجوانب العسكرية في العالم الإسلامي، فقد تجد أحيانا توفيرا لبعض الأجهزة، أو عناية بعدد الجنود، لكن لا تجد الاهتمام بكفاءتهم وقدراتهم فضلا أن تجد الاهتمام بإخلاصهم ومعرفتهم للهدف الذي من أجله يتدربون ومن أجله يقاتلون ومن أجله يتربون لذلك اليوم الذي يفترض أنهم يربون له، ألا وهو مقاومة أعداء الإسلام والدفاع عن الحرمات والدين وعن الأخلاق وعن مكتسبات الأمة الإسلامية.
إذا تتلخص اهتماماتنا كثيرا بالمادة على حساب الإنسان، حتى اهتمامنا بالإنسان عندما نهتم به، نهتم به من ناحيته المادية فحسب، فنحن قد نعامله كرقم في الإحصاء مثلا، نعده إنسانا ونعطيه رقما، ولكننا نكتفي بهذه المعاملة الرقمية العددية أو الآلية وننسى الكرامة التي هي سمته، والابتلاء الذي القي على كاهله:
( إنا خلقنا الإنسان من نطفة أمشاج نبتليه، فجعلناه سميعا بصيرا).
وننسى التكليف الذي حمّله:
(لا يكلف الله نفسا إلا وسعها).
إن من أعظم ذلك الاهتمام بالظاهر على حساب الباطن
وفي الشريعة الإسلامية والقرآن والسنة، لا يوجد أصلا ولا يُتصور تفاوت بينهما، فكما قال عليه الصلاة والسلام في الحديث المتفق عليه
(ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله ألا وهي القلب).
فصلاح الظاهر حقيقة يدل على صلاح الباطن، وصلاح الباطن لا بد أن يُثمر صلاح الظاهر، لكن مما ينبغي أن نعلمه دائما وأبدا أن العقيدة هي الأصل
فالأمور العلمية الاعتقادية كمعرفة الله تعالى بأسمائه وصفاته وأفعاله، ومعرفة اليوم الآخر والإيمان به، والملائكة والكتاب والنبيين، هذه الأشياء أصول ينبغي أن تغرس في النفوس وتبنى عليها التربية.
ثم الأعمال القلبية أيضا كمحبة الله تعالى وخوفه ورجائه والرغبة في ما عنـده والخشوع له والرغبة والرهبة ولإنابة إليه وغير ذلك من المعاني العظيمة هي معاني ينبغي أن تغرس في القلوب ثم تأتي بعد ذلك الأعمال الظاهرة كالعبادات مثلا، وهي مبنية على الباطن، ولذل لو صلى الإنسان بغير نية لم تن صلاته مقبولة:
(فويل للمصلين الذين هم عن صلاتهم ساهمون، الذين هم يراءون ويمنعون الماعون)
ومثله العبادات كلها.
وكذلك الاهتمام بالشكل المظهري للإنسان كالعناية مثلا بملابسه بشكله بشعره بمشيته بدخوله بخروجه وموافقة ذلك كله للشريعة.
الخطأ الثالث: إنك لا تجني من الشوك العنب.
إننا جميعا نعاني من الإهمال التربوي ومع ذلك ننتظر أحيانا نتائج طيبة، واضرب لك أمثلة، الحكومات التي تريد الحفاظ على أبنائها وعلى شعوبها تجد أنها تتعاهدهم بالرعاية والعناية والخدمة والملاحظة كما يتعاهد الإنسان غرسه أو نبته صبحا مساء، وتجد أنها تسعى إلى كسب ولائهم وتضع الخطط التربوية الناجحة لتأثير عليهم.
الأسر التي تريد الحفاظ على أبنائها أيضا، تجد أنها تحرص عليهم وتراقبهم مراقبة دقيقة وتبذل في سبيل ذلك الغالي والنفيس.
أما المشكلة فهي الإهمال التام عندنا لأولادنا وأسرنا وبيوتنا وشعوبنا ثم انتظار نتائج إيجابية وأحيانا نندهش ونفاجأ حينما تُخلف ظننا الأمور.
الأب المشغول بالتجارة، والآخر المشغول بالمزرعة
والثالث مشغول بوظيفته دوام صباحي ودوم مسائي
ورابع مشغول بالسفر بالإجازات وبالخميس والجمعة، ومشغول مع أصدقائه في بقية الأيام، أو مشغول بالزوجة الجديدة التي أخذت عقله ولبه وقلبه ووقته، واصبح كل همه ووجه إليها
أو حتى قل مشغول بالدعوة إلى الله تعالى ومشغول بالعلم ومشغول بالتعليم وهي خير ما شُغل به الإنسان، لكن لا ينبغي أن ينشغل بهذا ولا بذاك عن مسئوليته المباشرة التي حددها الرسول (صلى الله عليه وسلم) بقوله: (ابدأ بمن تعول ).
يقول الولد لمن تتركنا ؟ وتقول الزوجة ويقول القريب.
أحيانا حتى مجرد الجلوس مع الأولاد أو الأكل معهم أو المزاح أو سؤالهم عن أحوالهم ودراستهم وأوضاعهم، حتى هذا لا يكاد يتحقق من بعض الأباء المشغولين.
وهذه مصيبة، يقول الشاعر:
ليس اليتيم من انتهاء أبواه من…….. هم الحياة وخلفاه ذليلا
إن اليتيم هو الذي تلقى له …….أما تخلت أو أبا مشغولا
ليس هذا فحسب، ليست المشكلة أن هؤلاء لم يجدوا من يربيهم، بل المشكلة أن هناك وسائل بديلة قامت بتربيتهم.
فمثلا الإعلام، التلفاز الذي يستلم الطفل أو الشاب أو الزوجة حتى، يستلمه من يوم أن يدخل المنزل وإلى أن ينام، بكل برامجه وصوره ومسلسلاته وخيره وشره.
الفيديو الذي يكمل نقص الإعلام، يستطيع الإنسان أن يحصل على آلاف الأفلام التي تصـور له أوضاع الشعوب الأخرى
فهذا فلم يصور لك كيف يعيش الناس في المجتمع الأمريكي الكافر
وآخر يصور لك معيشتهم في المجتمع البريطاني الكافر
وثالث في المجتمع الفرنسي الكافر
ورابع يتحدث لك عن أوضاعهم الاقتصادية، وخامس عن الأمور الفنية، وسادس وسابع وهكذا.
إذا هذا الإعلام بصورة واضحة صريحة يقدم للناس هديا وشريعة بديلين عن هدي الله تعالى، وشريعة محمد (صلى الله عليه وآله وسلم).
فهو يعلم الكبير والصغير كيف يدخل ويخرج ويقوم ويقعد وينام ويتكلم، بل كيف يخاطب وكيف يحيي الناس وكيف يتعامل معهم، فتتعلم منه البنت كثير من الأخلاق السيئة، ويتعلم منه الابن والفتى والكبير والصغير.
وإذا فرض أن في أجهزة وأشرطة الفيديو الموجود نقصا وليس موجودا في تصوير ألوان التعاسة التي تعيشها المجتمعات الغربية
فإن البث المباشر الذي أصبح يطل علينا الآن سيكمل هذا النقص بكل حال، وأنت تجد إعلانات أحيانا عن بعض ألوان من الأقراص التي تستقبل ما يزيد على أربع وتسعين قناة، ومع الأسف الشديد أصبح يمكن لهذه الأشياء في بلاد المسلمين وتباع علانية، بل وتنشر لها الدعاية حتى في صناديق البريد دون تشهير ولا نكير، فضلا عن الصحف والمجلات.
إذا الجانب الإعلامي إذا غفلت أنت فهو ليس بغافل.
الجانب الرياضي الذي يهتم ببناء الأجسام دون بناء العقول ودون بناء الأخلاق ودون بناء الروح والعلم، هذا أيضا لا يغفل، فهو قد يبني لك ولدا قويا في جسمه، ولكنه خواء في عقله وعلمه ودينه.
وأنا لا أقول إن كل من يعمل في هذا المجال هو كذلك، فنحن نعلم من الرياضيين قوما صالحين والحمد لله تعالى، ولكننا نحذر أيضا من مثل هذا المصير.
فضلا عن الجو الصاخب الهائج الذي يقع أثناء المباريات في مدرجات الرياضة أو في الأسواق أو الشوارع العامة أو المنتديات أو غيرها.
فضلا عن تلك النوعيات المتفاوتة من الكبار مع الصغار، متفاوتون في تعليمهم وفي أخلاقهم وفي سنهم وفي غير ذلك.
لماذا تزداد الخطاء ؟ ولماذا تتعقد المشكلات ؟ ولماذا لا نجد لها حلا ؟
هناك أسباب كثيرة أذكرها بسرعة كسبا للوقت:
من ذلك الرضى والقناعة الموجود لدينا.
رضينا بالواقع، لا ندرك مشكلاتنا بشكل صحيح، وننكر وجودها أحيانا ونرى أحيانا أنه ليس بالإمكان أبدع مما كان، وكل أمورنا مبنية على الكمال والتمام، ليس لدينا إحساس بحجم الفارق بيننا وبين غيرنا، والبعض منا يرغبون بالركود وعدم التجديد بحال من الأحوال.
السبب الثاني عدم إيماننا بوجود المصارحة والمناصحة في ما بيننا.
وعدم الوضوح والصراحة والمكاشفة في تعاملنا مع واقعنا، وعدم مناقشة أمرنا ومشكلاتنا بصورة صحيحة، وذلك لأننا نرغب أحيانا كما نظن في عدم الإثارة أو اتقى الفتنة،
أو المساس بالمكاسب أو غير ذلك، وننسى أنه لا يمكن تجنب الإثارة واتقى الفتنة والحفاظ على لمكاسب إلا من خلال منهج واضح صحيح للنقد والمصارحة والمكاشفة يكون مبنيا على الحقوق المتبادلة بيننا جميعا
بين الزوج وزوجته
بين الوالد وولده
بين المدرس والطالب
بين الحاكم والمحكوم وهكذا.
السبب الثالث عدم تحديد المشكلات بدقة.
فنحن أحيانا نعزل كل مشكلة على حدة كما لو كانت مخلوقا مستقلا منفردا ونحاول أن نبين أسبابها، ونقترح الحلول لها، وندرس هذه الحلول ونخلص إلى نتائج نهائية دون أن نربط ذلك بغيره من الأمور.
السبب الرابع عدم الثقة بالعلم.
وعدم البحث العلمي واعتماد الأساليب العلمية في الوصول إلى تحديد المشكلة وأساليب حلها وتسخير العلوم الممكنة لهذا الأمر.
السبب الخامس ضيق الأفق لدى البعض.
أو الركود والتعصب للمألوف والعادات والانطلاق من بعض المسلمات والبديهيات الخاصة التي ليس لها سند شرعي ولا عقلي.
فالكثيرون يقولون لك هذا الأمر لا يجادل فيه اثنان ولا ينتطح فيه عنزان
أو يقولون لك هذا واضح وضوح الشمس في رابعة النهار لمن أنار الله بصيرته.
ولكن الواقع أن هذا الأمر ليس سوى أمر مألوف معروف، وهذا الضيق النفسي والعقلي الموجود لدى البعض يعميه ويصمه عن التقدم خطوة واحدة للتعرف على الأخطاء وتعديل السلوكيات وحل القضايا والمشكلات.
السبب السادس اعتقاد البعض أن مشكلاتنا تحل عن طري الأساليب العقيمة.
فمثلا الجدل والتراشق بالألفاظ والتعصب والتحيز الواضح لفكرة معينة أو استيراد الحلول الجاهزة أحيانا أو ترك المشكلة ونعتقد أن الزمن كفيل بحلها أو إلغاء الأسباب والنتائج أو إلقاء المسؤولية على الآخرين وانتظار الحل منهم، أو التعامل مع المشكلات بالعواطف، كل ذلك قد يسكن الألم أحيانا ولكنه لا يوقف النزيف على المدى الطويل.
السبب السابع والأخير هو عدم استصحاب النية الصالحة في نفع الناس.
وبذل الوسع في التعامل مع القضايا والمشكلات ونسيان الموضوعية في غمار التعصب وعدم الأنصاف والتأني إلى غير ذلك من الصفات التي ينبغي أن يتميز بها كل باحث عن الحقيقة.
** أما النقطة الخامسة وهي بيت القصيد فهي بعنوان أخطاء وحلول.
الخطاء الأول فأين الصواب إذا.
وأعني بهذا الخطاء التركيز على الأخطاء ولعل لقائل أن يقول أن محاضرتك نفسها عنوانها بعض أخطأنا في التربية ؟ فأقول نعم حتى التركيز على الأخطاء في موضوع أو درس أو محاضرة ينبغي أن يكون بقدر معتدل.
إن التركيز على الأخطاء والانحرافات لا يبني أبدا، بل الأصل هو وضع المعيار الصحيح وتمكين الإنسان أن يكتشف الخطاء بنفسه مع الثناء عليه إن أصاب وتوجيهه إذا أخطاء.
مثلا الواعظ والخطيب مربي، فينبغي له أن لا يركز على الأخطاء ويجعل كل خطبه ودروسه ومحاضراته هي عبارة عن سياط يلهب بها ظهور الناس
فيخرجون منه كل يوم وقد حميت ظهورهم من أثر هذا الكلام الذي أنحى به عليهم.
لا… ينبغي أن يكون أحيانا هناك حديث عن الصواب ليعمله الناس دون تعريض بالخطأ
وأحيانا يكون هناك ثناء على بعض الظواهر الإيجابية حتى تنمو وتكبر
وأحيانا يكون هناك تنبيه إلى بعض الأخطاء بالأسلوب الشرعي المناسب.
المدرس أو المدرسة أيضا هم من المربين، فكون المدرس أو المدرسة يركز على أخطاء الطالب، إذا أخطئ ابرز الخطأ وعلق عليه وأكد على هذا الخطأ فإن هذا يحطم الطالب ويجعله لا يفكر في المحاولة مرة أخرى.
لا….بل ينبغي أن يبرز الجانب الأخر، جانب الصواب الذي أصاب فيه، الجانب الإنساني عند الإنسان.
ومن القصص المشهورة التي تبين لك أن الإنسان يستطيع أن يؤدي المعلومة بأكثر من أسلوب:
أن خليفة رأى في المنام أن أسنانه قد سقطت، فطلب رجلا يعبر الرؤيا، فقال:
يا أمير المؤمنين يموت أهلك كلهم وتبقى أنت بعدهم
فأمر به فجلد حتى أغمي عليه ثم قال ارفعوه عني.
دعا بعابر آخر فقال له يا أمير المؤمنين أنت أطول اهلك عمرا.
فأعطه جائزة.
إن الإنسان يستطيع أن يعبر عن التوجيه والإرشاد والنصيحة بأسلوب غير مباشر أحيانا، وبأسلوب مباشر أحيان أخرى، ويمتدح الصواب في بعض الأحيان، ويمتدح فلانا لأنه أصاب، وهكذا.
الأب أيضا مربي، فكون الأب لا يحسن إلا سب أولاده وشتيمتهم والدعاء عليهم وتعييرهم، وفلان فعل وأبن فلان فعل وأنتم فيكم وفيكم
هذا لا شك لن يبني أولادا صالحين قط، بل سيجعل هؤلاء الأبناء يفقدون الثقة بأنفسهم، يعيشون إحباطا وقد يؤدي إلى كراهيتهم لأبيهم.
لكن بدلا من أن تقول أنت أخطأت، قال هذا العمل لا يعجبني، لا يناسبني أو لا يصلح، ولو قلت له هذه المرة أخطأت، المرة الثانية لابد أن تثني على الصواب
من الممكن أن تستخدم معه أساليب متعددة.
بل أقول كل إنسان في مسؤولية فهو يتناول ويتولى جزء من مسؤولية التربية.
حتى الحاكم الأعظم أو الإمام أو الخليفة أو السلطان هو أيضا مربي على نطاق أوسع، ومسئوليته في عدم تتبع الأخطاء وعدم تتبع العورات واضحة جلية.
إذا لابد أن تكون الأخطاء موضوعة بصورة معتدلة.
إن الإنسان الذي يلاحق أخطاء الناس، ويكثر من الحديث عنها ربما يكون لديه شعور بالكمال، ولذلك فهو دائما وأبدا يبحث عن الزوايا المظلمة والمناطق القاتمة في الناس.
الخطأ الثاني الشكل أم المضمون.
إن الإغراق في الشكل على حساب المضمون أو في الكم على حساب الكيف من اعظم أمراضنا، مثلا الرجل يهتم بملابسه، بغترته بحذائه
المرأة كذلك بل أشد، فتجد كل موديل جديد لدى المرأة، وتجد لديها ألوانا من تلك المجلات والكتب التي تسمى (بالبردات)، فاليوم من فرنسا وغدا من تايلاند وبعد غد وهكذا، وتجد لديها عشرات بل مئات من الملابس والثياب ربما لم تلبس منها إلا شيء قليلا وبعضها مرة واحدة أو مرتين.
وكذلك الحال بالنسبة للطفل فنحن معنيون جدا بملابسه وجماله وحذائه وغير ذلك، هذا بلا شك إذا كان في حدود الاعتدال فهو مطلوب ولا بأس به
لكن لا يجوز أن يكون ذلك على حساب العناية بصلاح الإنسان، بقلبه بأخلاقه بدينه بعلمه بثقافته بعبادته بتربيته.
مثل ذلك قصات الشعر مثلا والتسريحات، وكنا بالأمس نحسبها للنساء فقط، فالمرأة اليوم تقص قصة، وغدا تقص قصة أخرى، وأصبحت الفتاة عندك تتابع التسريحات في العالم أولا بأول
ليست هذه المشكلة فقط بل تطور الأمر وأصبح هذا حتى بالنسبة للشباب، فأنت تجد تلك الصالونات التي كثرت أصبحت تعتني بقصات الشعر وتتخصص فيها، وربما جلس الشاب أمام المرآة وقتا طويلا من أجل تسريح شعره
لكن لو تجاوزت هذا الشعر قليلا إلى ما يوجد في داخل الرأس، معلومات عقل علم ثقافة اهتمامات ربما تجد خواء في خواء.
مثلا الأثاث المنزلي، كثيرون منا يهتمون بالأثاث المنزلي وتجديده وتنويعه وتناسق ألوانه، ومن الضروري أن يكون التلفاز موجودا وجهاز الفيديو وغرف النوم إلى غير ذلك
الكثيرون يهتمون بهذا ولكن الاهتمام بقيام المنزل على أساس السعادة الزوجية مثلا، قيام المنزل على أساس المسؤولية المشتركة، وقيام المنزل على أساس شرعي
هذا ربما لا يكون قائما في اهتمام البعض.
مثله مثلا مسألة الترفيه والرياضة، فأنت تجد الأمة تحتفل احتفالا كبيرا في الترفيه والرياضة، والرياضة لون من ألوان الترفيه لكنها أخذت من وقتنا وعمرنا واهتمامنا
أخذت شبابنا وفلذات أكبادنا فأصبح الطالب وهو في أيام الاختبار مثلا مشغولا بمتابعة دوري
أو مشغولا بمتابعة الرياضة على الشاشة أحيانا
وأصبح يحفظ أسماء أندية العالم وألوان هذه الأندية وأسماء المدربين وغير ذلك ويتابع أولا بأول وليس هذا فقط، بل يبذل من عواطفه ومشاعره واهتماماته الشيء الكثير في هذا السبيل، مثله أيضا الجانب الترفيهي الذي أصبح يأخذ وقت الكثيرين من الناس.
ولو أنهم أعطوا الناحية الشرعية أو العقلية أو الثقافية أو العلمية جزء من ذلك لنتج عنه خير كثير.
اهتمام الأمة عامة بالمباني والجسور والطرق والمعالم الحضارية كما تسمى.
اهتمام المدير في المدرسة بحضور المدرسين،
أو اهتمام الموظف بحضور مرءوسيه وقت الدوام وأن لا ينصرفوا إلا في الوقت نفسه دون أن يهتم بالعطاء وهل أنجزوا وأدوا مسئوليتهم أم أن الواحد فقط يحضر ثم لا يقوم بعمل.
اهتمام الأب ببقاء أولاده في البيت، لكن يبقون لماذا؟
هل ليتعلموا، هل ليحفظوا القرآن ؟
هل ليتربوا على مكارم الأخلاق ؟
هل يقوموا بعمل دنيوي مفيد ؟ لا يعنيه ذلك..
أم انهم جلسوا أمام التلفاز أو أمام الفيديو أو أمام أشياء أخرى قد لا تكون في مصلحتهم.
اهتمام المدرس بالمنهج، المهم أن ينتهي المنهج مع نهاية العام الدراسي، وليس المهم عنده أحيانا بناء الطالب، وإعداده وتنمية علمه وعقله وتأهيله لنزول ميدان الحياة وخدمة الأمة.
اهتمام الأمة في تعليمها بعدد الدارسين، فنحن نجد أن التعليم متاح للجميع وأي طالب لا يتعلم يعتبر ناقصا، ليس فقط للمستوى المتوسط أو الثانوي بل لا بد أن يأخذ الجامعة.
وإنني أعرف البعض من الطلاب قد يجلس زمانا طويلا في الجامعة لأنه مشغول عنها، مشغول بأموره البيتية، بتجارته ولكنه مع ذلك مصر على هذا الأمر وكأنه ليس لغيره أهلا، أو ليس لغيره مناسبا، لماذا ؟
لأن التقاليد فرضت علينا أن هذا الروتين لا بد أن يتم، ولابد لكل الجيل أن يتعلم وكأنه لا يمكن أن يخدم إلا من خلال هذه القناة.
ومع أن هذا الإنسان الذي فشل في دراسته مثلا قد يكون ناجحا جدا في ميادين أخرى لو أتجه إليها لكن هذا القانون السائد جعله يهتم بهذا الجانب دون رعاية النوعية.
حتى في دراساتنا العليا حينما يطالب الإنسان بأن يحضر ماجستير أو دكتوراه تجد أن السؤال الذي يطرح نفسه تلقائيا كم صفحة رسالته ؟ كم مجلد ؟
لكن قل ما نسأل ما هي النتائج التي توصل إليها ؟
هل كان عميقا في بحثه؟
هل وصل إلى نتائج جديدة ؟ إلى غير ذلك من الأسئلة التي تتعلق بالمضمون.
مثل ذلك الإعلام العربي كله وفي بلاد العالم الإسلامي أيضا - ولا اسميه الإعلام الإسلامي- تجد هذا الإعلام يهتم بساعات البث والإرسال، أن تكون مستمرة، لكنها لا يهتم بنوعية ما يشاهده الناس، أو نوعية ما يسمعون، هل هو ينفعهم أو يضرهم ؟
هل يبني أم يهدم ؟
هل هو على حساب الأخلاق والدين ، أم يقوي ويعزز جانب الأخلاق والدين ؟
ومثله الجوانب العسكرية في العالم الإسلامي، فقد تجد أحيانا توفيرا لبعض الأجهزة، أو عناية بعدد الجنود، لكن لا تجد الاهتمام بكفاءتهم وقدراتهم فضلا أن تجد الاهتمام بإخلاصهم ومعرفتهم للهدف الذي من أجله يتدربون ومن أجله يقاتلون ومن أجله يتربون لذلك اليوم الذي يفترض أنهم يربون له، ألا وهو مقاومة أعداء الإسلام والدفاع عن الحرمات والدين وعن الأخلاق وعن مكتسبات الأمة الإسلامية.
إذا تتلخص اهتماماتنا كثيرا بالمادة على حساب الإنسان، حتى اهتمامنا بالإنسان عندما نهتم به، نهتم به من ناحيته المادية فحسب، فنحن قد نعامله كرقم في الإحصاء مثلا، نعده إنسانا ونعطيه رقما، ولكننا نكتفي بهذه المعاملة الرقمية العددية أو الآلية وننسى الكرامة التي هي سمته، والابتلاء الذي القي على كاهله:
( إنا خلقنا الإنسان من نطفة أمشاج نبتليه، فجعلناه سميعا بصيرا).
وننسى التكليف الذي حمّله:
(لا يكلف الله نفسا إلا وسعها).
إن من أعظم ذلك الاهتمام بالظاهر على حساب الباطن
وفي الشريعة الإسلامية والقرآن والسنة، لا يوجد أصلا ولا يُتصور تفاوت بينهما، فكما قال عليه الصلاة والسلام في الحديث المتفق عليه
(ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله ألا وهي القلب).
فصلاح الظاهر حقيقة يدل على صلاح الباطن، وصلاح الباطن لا بد أن يُثمر صلاح الظاهر، لكن مما ينبغي أن نعلمه دائما وأبدا أن العقيدة هي الأصل
فالأمور العلمية الاعتقادية كمعرفة الله تعالى بأسمائه وصفاته وأفعاله، ومعرفة اليوم الآخر والإيمان به، والملائكة والكتاب والنبيين، هذه الأشياء أصول ينبغي أن تغرس في النفوس وتبنى عليها التربية.
ثم الأعمال القلبية أيضا كمحبة الله تعالى وخوفه ورجائه والرغبة في ما عنـده والخشوع له والرغبة والرهبة ولإنابة إليه وغير ذلك من المعاني العظيمة هي معاني ينبغي أن تغرس في القلوب ثم تأتي بعد ذلك الأعمال الظاهرة كالعبادات مثلا، وهي مبنية على الباطن، ولذل لو صلى الإنسان بغير نية لم تن صلاته مقبولة:
(فويل للمصلين الذين هم عن صلاتهم ساهمون، الذين هم يراءون ويمنعون الماعون)
ومثله العبادات كلها.
وكذلك الاهتمام بالشكل المظهري للإنسان كالعناية مثلا بملابسه بشكله بشعره بمشيته بدخوله بخروجه وموافقة ذلك كله للشريعة.
الخطأ الثالث: إنك لا تجني من الشوك العنب.
إننا جميعا نعاني من الإهمال التربوي ومع ذلك ننتظر أحيانا نتائج طيبة، واضرب لك أمثلة، الحكومات التي تريد الحفاظ على أبنائها وعلى شعوبها تجد أنها تتعاهدهم بالرعاية والعناية والخدمة والملاحظة كما يتعاهد الإنسان غرسه أو نبته صبحا مساء، وتجد أنها تسعى إلى كسب ولائهم وتضع الخطط التربوية الناجحة لتأثير عليهم.
الأسر التي تريد الحفاظ على أبنائها أيضا، تجد أنها تحرص عليهم وتراقبهم مراقبة دقيقة وتبذل في سبيل ذلك الغالي والنفيس.
أما المشكلة فهي الإهمال التام عندنا لأولادنا وأسرنا وبيوتنا وشعوبنا ثم انتظار نتائج إيجابية وأحيانا نندهش ونفاجأ حينما تُخلف ظننا الأمور.
الأب المشغول بالتجارة، والآخر المشغول بالمزرعة
والثالث مشغول بوظيفته دوام صباحي ودوم مسائي
ورابع مشغول بالسفر بالإجازات وبالخميس والجمعة، ومشغول مع أصدقائه في بقية الأيام، أو مشغول بالزوجة الجديدة التي أخذت عقله ولبه وقلبه ووقته، واصبح كل همه ووجه إليها
أو حتى قل مشغول بالدعوة إلى الله تعالى ومشغول بالعلم ومشغول بالتعليم وهي خير ما شُغل به الإنسان، لكن لا ينبغي أن ينشغل بهذا ولا بذاك عن مسئوليته المباشرة التي حددها الرسول (صلى الله عليه وسلم) بقوله: (ابدأ بمن تعول ).
يقول الولد لمن تتركنا ؟ وتقول الزوجة ويقول القريب.
أحيانا حتى مجرد الجلوس مع الأولاد أو الأكل معهم أو المزاح أو سؤالهم عن أحوالهم ودراستهم وأوضاعهم، حتى هذا لا يكاد يتحقق من بعض الأباء المشغولين.
وهذه مصيبة، يقول الشاعر:
ليس اليتيم من انتهاء أبواه من…….. هم الحياة وخلفاه ذليلا
إن اليتيم هو الذي تلقى له …….أما تخلت أو أبا مشغولا
ليس هذا فحسب، ليست المشكلة أن هؤلاء لم يجدوا من يربيهم، بل المشكلة أن هناك وسائل بديلة قامت بتربيتهم.
فمثلا الإعلام، التلفاز الذي يستلم الطفل أو الشاب أو الزوجة حتى، يستلمه من يوم أن يدخل المنزل وإلى أن ينام، بكل برامجه وصوره ومسلسلاته وخيره وشره.
الفيديو الذي يكمل نقص الإعلام، يستطيع الإنسان أن يحصل على آلاف الأفلام التي تصـور له أوضاع الشعوب الأخرى
فهذا فلم يصور لك كيف يعيش الناس في المجتمع الأمريكي الكافر
وآخر يصور لك معيشتهم في المجتمع البريطاني الكافر
وثالث في المجتمع الفرنسي الكافر
ورابع يتحدث لك عن أوضاعهم الاقتصادية، وخامس عن الأمور الفنية، وسادس وسابع وهكذا.
إذا هذا الإعلام بصورة واضحة صريحة يقدم للناس هديا وشريعة بديلين عن هدي الله تعالى، وشريعة محمد (صلى الله عليه وآله وسلم).
فهو يعلم الكبير والصغير كيف يدخل ويخرج ويقوم ويقعد وينام ويتكلم، بل كيف يخاطب وكيف يحيي الناس وكيف يتعامل معهم، فتتعلم منه البنت كثير من الأخلاق السيئة، ويتعلم منه الابن والفتى والكبير والصغير.
وإذا فرض أن في أجهزة وأشرطة الفيديو الموجود نقصا وليس موجودا في تصوير ألوان التعاسة التي تعيشها المجتمعات الغربية
فإن البث المباشر الذي أصبح يطل علينا الآن سيكمل هذا النقص بكل حال، وأنت تجد إعلانات أحيانا عن بعض ألوان من الأقراص التي تستقبل ما يزيد على أربع وتسعين قناة، ومع الأسف الشديد أصبح يمكن لهذه الأشياء في بلاد المسلمين وتباع علانية، بل وتنشر لها الدعاية حتى في صناديق البريد دون تشهير ولا نكير، فضلا عن الصحف والمجلات.
إذا الجانب الإعلامي إذا غفلت أنت فهو ليس بغافل.
الجانب الرياضي الذي يهتم ببناء الأجسام دون بناء العقول ودون بناء الأخلاق ودون بناء الروح والعلم، هذا أيضا لا يغفل، فهو قد يبني لك ولدا قويا في جسمه، ولكنه خواء في عقله وعلمه ودينه.
وأنا لا أقول إن كل من يعمل في هذا المجال هو كذلك، فنحن نعلم من الرياضيين قوما صالحين والحمد لله تعالى، ولكننا نحذر أيضا من مثل هذا المصير.
فضلا عن الجو الصاخب الهائج الذي يقع أثناء المباريات في مدرجات الرياضة أو في الأسواق أو الشوارع العامة أو المنتديات أو غيرها.
فضلا عن تلك النوعيات المتفاوتة من الكبار مع الصغار، متفاوتون في تعليمهم وفي أخلاقهم وفي سنهم وفي غير ذلك.